ذكرت الكاتبة كسينيا سفيتلوفا أن عامين من الحرب والاحتجاجات المستمرة في إسرائيل وضغطًا أمريكيًا غير مسبوق قادها الرئيس دونالد ترامب أحدثت تحولًا دراماتيكيًا في المشهد السياسي الإسرائيلي. استطاع ترامب توحيد دعم دول عربية وإسلامية رئيسية مثل قطر وتركيا، ثم فرض وقفًا للحرب على كل من إسرائيل وحماس. خلال أيام انسحبت معظم القوات الإسرائيلية من غزة، وأُفرج عن جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء، بينما سارع قادة العالم إلى حضور قمة السلام في شرم الشيخ.

ذكرت تشاتام هاوس أن نتنياهو لم يكن مدعوًا للقمة في البداية، قبل أن يتدخل السيسي وترامب لتأمين مشاركته. في لحظةٍ نادرة، فكّر نتنياهو في الجلوس إلى طاولة واحدة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمناقشة إعادة إعمار غزة ومشاركة السلطة الفلسطينية، لكنه تراجع في النهاية. هذه التطورات السريعة بدت مذهلة، خاصة بعد اعتذار نتنياهو العلني لقيادة قطر تحت مراقبة ترامب الدقيقة، في مشهد لم يكن أحد ليتخيله قبل أشهر قليلة فقط.

التحول في موقف نتنياهو يطرح تساؤلًا حول مدى صموده السياسي. قبل أسابيع، رفض فكرة التوصل إلى اتفاق سلام، متمسكًا بشعار “النصر الكامل”. رفض إشراك السلطة الفلسطينية في إعادة الإعمار، وأصرّ على مواصلة الحرب حتى القضاء على حماس. غير أن صفقة ترامب للسلام نسفت هذه المفاهيم تمامًا، ما أثار غضب حلفائه اليمينيين المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين هدّدا بالانسحاب من الحكومة وصوّتا ضد المرحلة الأولى من الاتفاق. المرحلة الثانية، التي تشمل نزع سلاح حماس وإعادة إعمار غزة وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، لم تُطرح بعد للتصويت.

في خطابه الأخير، حاول نتنياهو الترويج للصفقة باعتبارها انتصارًا لإسرائيل، مدعيًا أن بلاده حصلت على كل ما أرادته. لكن الصفقة في جوهرها تقوّض كل ما دافع عنه لسنوات. فتح معبر رفح قريبًا بإشراف شرطة فلسطينية مدرّبة في مصر يعني فعليًا عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وبدء عملية إعادة توحيدها مع الضفة الغربية، وهو ما ظل نتنياهو يعارضه علنًا منذ عقدين.

منذ بدايات العقد الماضي، اتبع نتنياهو سياسة “فرّق تسد”: إضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع إبقاء حماس قوية بما يكفي في غزة لضمان غياب أي مسار تفاوضي حقيقي نحو الدولة الفلسطينية. اعتمد هذه السياسة عبر تشجيع الاستيطان في الضفة وتمرير الأموال القطرية إلى حماس بإشراف إسرائيلي، لتبقى الانقسامات الفلسطينية ذريعة دائمة لرفض المفاوضات.

لكن هجوم 7 أكتوبر غيّر المعادلة تمامًا. فبعد مقتل أكثر من ألف ومئتي إسرائيلي، معظمهم من المدنيين، انهارت أسس “إدارة الصراع” التي تبناها نتنياهو. الحرب الطويلة وما خلّفته من مأساة إنسانية في غزة دفعت العالم إلى النفور من قيادته، حتى أن مسؤولين سعوديين صرحوا لوسائل إعلام إسرائيلية بأن انضمام المملكة إلى اتفاقات أبراهام مستحيل ما دام نتنياهو في السلطة.

مع أن نتنياهو قرر في النهاية عدم المشاركة في قمة شرم الشيخ، إلا أن القرارات الصادرة عنها ستفرض عليه التزامات سياسية لا مفر منها. يحاول أركان حكومته التركيز فقط على بند الإفراج عن الرهائن لتفادي الغضب الداخلي، لكن جوهر الصفقة أعمق بكثير، إذ يتضمن خطة من 21 بندًا تشمل إعادة الإعمار ومسارًا نحو الدولة الفلسطينية بإجماع دولي متزايد.

يبقى مستقبل الائتلاف الحاكم غير مؤكد. شركاء نتنياهو من أقصى اليمين ينقسمون بين من يخشى فقدان نفوذه ومن يفضّل الانسحاب قبل انهيار الحكومة. أما السلطة الفلسطينية، فتستعد لاستعادة دورها السياسي في غزة بدعم دولي متنامٍ، بينما يتراجع نفوذ تل أبيب في إدارة القطاع. مع تضاؤل الثقة الشعبية وتزايد الضغوط الخارجية، يبدو أن المرحلة المقبلة قد تشهد نهاية الهيمنة السياسية لنتنياهو، الذي يواجه الآن نتائج سياساته القديمة تحت ظل صفقة سلام فرضها عليه حليفه الأمريكي الأقوى.

https://www.chathamhouse.org/2025/10/netanyahus-concepts-collapsed-one-one-trump-piled-pressure-what-next-his-government